دور الفضائيات
العربية في دعم الدبلوماسية العربية
مقدمة
اصبحت
الفضائيات العربية بلا جدال ظاهرة متنوعة النتائج وحقيقة فرضت نفسها منذ دخولها
عصر الفضاء مع بدايات تسعينيات القرن الماضي ، وكان طبيعيا ان تخضع هذه الظاهرة
للتقييم بهدف ترشيد استخدامها والاستفادة منها ، ويبلغ الفضائيات رقما قياسيا تعمل
على عدد من الاقمار الوطنية والعربية والدولية وبحيث ازدحمت الساحة الفضائية بهذه
الاعداد وظهر سباق محموم بينها لجذب المشاهد العربي في المنطقة وخارجها ، بحيث
اصبحت تلعب ادوارا متنوعة في حياة المواطن وخاصة المواطن المغترب
والثابت
ايضا ان بعض الفضائيات العربية مثل “ الجزيرة ” و “ العربية
” قد احتكرت التغطية الاعلامية للاحداث العربية
مقارنة بالاحتكار الاعلامي لقنوات CNN و BBC في تغطية
حرب الخليج عام 1991 ، مع تمييز الفضائيات العربية بانها تستخدم
اللغة العربية وتلتزم بلغة خطاب سياسي معينة وتتمتع بدرجة عالية من الحرفية
وفي ضوء هذه
الحقائق تعالج المقدمة نقطتين مهمتين
¢الاولى : العلاقة
بين الثورة الاعلامية والوظيفة
الدبلوماسية
¢والثانية
: توظيف الفضائيات العربية في خدمة القضايا العربية
اولا : العلاقة بين الثورة الاعلامية والوظيفة الدبلوماسية
يجب ان نفرق
ابتداء بين علاقة الاعلام
بالدبلوماسية في الدول النامية والعلاقة نفسها بينهما في الغرب
فقد فهم
الغرب منذ البداية العلافة الحميمة
بين الاعلام والسياسة
، على اساس ان الاعلام جزء من
القرار السياسي بصوره المختلفة ، وان الاعلام في الوقت
نفسه حق للمواطن ، ويستطيع المواطن ان يتمسك
بهذا الحق امام القضاء ،
مادام النظام القانوني في الغرب يجعل الاعلام
ومصداقيته حارسا في الوقت نفسه على قيم المجتمع وعلى حقوقه في مواجهة الحكومة .
ومن
الواضح ، ان هاتين
الحقيقتين : الطابع السياسي للاداة الاعلامية ،
والوظيفة السياسية المجتمعية للاعلام ، هي
التي تقوم عليها الديموقراطية الغربية
، وفي ضوئها يمكن ان نفهم
كثيرا من القضايا التي كان الاعلام طرفا
فيها على الاقل .
موقف الاعلام
البريطاني والامريكي ضد حكومتهما بشان بعض الامور حول العراق
الموقف الاول : موقف هيئة الاذاعة البرطانية من الحكومة البريطانية حول تصريحاتها عن اسلحة دمار شامل في العراق
فلا نزال
نذكر انتحار العالم البريطاني“ديفد كاي ” لانه ادلى بمعلومات
لهيئة الاذاعة
البريطانية حول عدم دقة المعلومات التي ترددها الحكومة البيرطانية ، والتي
اقتنع بها الراي العام ،
عن وجود اسلحة دمار
شامل في العراق ، ثم تبين هيئة الاذاعة البرطانية حق الشعب
بالكشف عن زيف الادعاءات والذرائع التي شاركت بها بريطانيا
و واشنطن
في الهجوم على العراق في مارس من عام 2003
وقد ركزت
هيئة الاذاعة
البريطانية على ان الاعلام هيئة
رقابية او سلطة
سياسية ضد الحكومة التي لا يجوز لها من الناحية الاخلاقية
والسياسية ان تخدع
الشعب ، وان تستدرجه الى تاييد قراراتها
في العراق ، وحتى عندما احيل الموضوع باكمله ، حول
الخلاف بين رئيس الوزراء البريطاني وهيئة الاذاعة
البريطانية الى تحقيق
مستقل حيث اعلنت هيئة الاذاعة
البريطانية احترامها لنتائج التحقيق رغم اختلافها معه وحرصها على اظهار جوانب
الخلل فيه حتى تقيم التوازن الدقيق بين الهيبة التي تتمتع بها السلطة
القضائية وحق الشعب في المعرفة
الموقف الثاني :
موقف الاعلام الامريكي من قضية تعذيب المعتقلين العارقيين
ودخوله في صراع مع الكونجرس الذي انشغل بهذه القضية بعد ان اصبحت قضية عالمية
¢في هذه
القضية يتضح ان الاعلام الامريكي يفهم
وظيفته في الانحياز الى الحقيقة
في كشف التجاوزات ، ولم يكترث ببعض الدفوع التي
تمسكت بها الادارة الامريكية احيانا دفاعا عن
الوزير المختص بان نشر هذه الصور يعد انتهاكا لقوانين الاسرار العسكرية
ويبدو ان اتساع
نطاق هذه الفضيحة قد ارغم الادارة على
التخلي عن هذا الموقف بل ان وزير
الدفاع الامريكي اتهم اجهزة الاعلام التي
نشرت هذه الصور بانها انتهكت
اتفاقات جنيف وهو قلب كامل للقانون الدولي وهو يعني معاقبة من يبلغ عن الجريمة لكي
يفلت المجرم من العقاب
الاعلام
والدبلوماسية في العالم الثالت
¢على الرغم
ان هناك
تناقضا شكليا بين حرص الدبلوماسي على سرية معلوماته وحرص الاعلام على اخضاع هذه
المعلومات للرقابة الشعبية ، فان دول العالم الثالث لم تتمكن كما فعل الغرب من
العثور على صيغة مناسبة لحل هذه الاشكالية فلا تزال
هذه الدول تدرك قيمة الاعلام وعجز
الحكومات في العالم الثالث عن حصر معلومات المواطن وثقافته فيما تقدمه اجهزته الوطنية
من مواد ، ذلك يعتبرون انه من الثابت : ان السيادة الاعلامية لا
تتطابق مع السيادة السياسية أي لاتتطابق مع
الحدود الجغرافية للدولة بينما تعتمد السيادة الاعلامية على
امتلاك القدرات التكنولوجية والمنطق الاعلامي والقدرة
على تاليف عقول
المشاهدين وهذا ينسجم مع التطور الذي حدث
في العالم وهو : ان الشؤون
الداخلية لم تعد كلها خاضعة لسلطان والدولة ، وان الاتصال بالعالم الخارجي لم يعد
جريمة جنائية او تهديدا لامن الدولة
بعد ان اصبح في وسع
المواطن ان يستخدم
تقنيات الاتصال الحديثة بحرية كاملة
¢والبقدر نفسه فان
القدرة الاعلامية الفضائية
قد اضيفت لسبب من اسباب قوة
الدولة الى
الجغرافيا السياسية والجغرافيا الاقتصادية فمثال على ذلك ما اثبتته قناة
الجزيرة لقيمتها بالنسبة لمكانة قطر في العالم الثالث والعالم ككل
¢وعلى
الرغم من الحياد والمهنية اللذين اتسم بهما اداء
الفضائيات القومية فان قناة المنار على سبيل المثال وهي حزبية ايديولوجية اسلامية قدمت
نموذجا فريدا في تحسين الصورة الاسلامية والشيعية
بوجه خاص
هناك اتجاهان حول
الثورة الاعلامية بخصوص الوظيفة الدبلوماسية
¢الاول : يرى ان التقنيات
الاعلامية الحديثة
سوف تجعل الوظيفة الدبلوماسية قليلة الاهمية على اساس انها تقوم في
جزء كبير منها على الحصول على المعلومات وانه مع انكشاف المجتمعات يسهل الحصول على
هذه المعلومات بالسرعة والكثافة اللازمة .
¢والاتجاه
الثاني : ان هذه
النتيجة هي تبسيط للوظيفة الدبلوماسية التي تبدا مهامها
بتمثيل الدولة المرسلة لدى الدولة المضيفة لذا لا يمكن الاعتماد فيها بشكل معياري
وموحد على الاخبار العاجلة
التي تركز على السبق الاعلامي فضلا عن ان البعثة
الدبلوماسية في بعض الاحيان تلعب
دورا مهما في العلاقات الثنائية بين البلدين ولذلك انتهى انصار هذا
الاتجاه الى ان ثورة
وسائل الاتصال نقلت الاداء
الدبلوماسي الى افاق جديدة
¢ثانيا : توظيف
الفضائيات العربية في تعزيز الدبلوماسية العربية
¢اذا كان
الاجماع منعقدا على اهمية الفضائيات العربية لاثبات الوجود
العربي الشكلي على الاقل وسط
مجموعة عمالقة الاعلام (the
global gints ) التي اتاح ظهورها
وانفرادها خصخصة اجهزة الاعلام الوطنية
وظهور تكنولوجيا الاتصال ، فاصبحت تمثل الارساليات الراسمالية فان لهذه
الفضائيات ادوارا مهمة اخرة في تشكيل
الوعي وتطور المجتمع وفي تناول الفكر القومي والقطري والموازنة بينهما ، بل ذهبت
بعض الدراسات الى انها تقوم
بدور مهم في ربط المهاجرين العرب في امريكا بقضايا اوطانهم وتعميق
الشعور القومي وخاصة لدى الجيل الثاني
¢وعلى
الرغم من هذه الاثر الايجابي
بشكل عام للفضائيات العربية راى البعض
الكثير من السلبيات في مواقفها ، فاتهمها البعض بان بعضها كان بوقا للاعلام الامريكي خلال
العدوان على العراق باسم الموضوعية والحياد وغير ذلك من اوجه النقد ،
التي حفل بها مؤتمر
كمبردج في مارس 2004 ،
¢ كما نشر
العديد من الدراسات في الاتجاه نفسه ، منها دراسة “جهاد فخرالدين ” الذي
يعتبرها حصان طروادة لنقل الفضائيات العرقية التي تحارب الاتجاه القومي وتكرس
العرقية في النظم المستبدة ، مثلما حدث في العراق ولكن هذه السلبيات لا تقلل في
نظر البعض الاخر من اهمية هذه
الفضائيات .
الدور الحالي
للفضائيات في دعم الدبلوماسة العربية فهو يتسم بعدد من الخصائص
¢الخاصية الاولى : ان
الفضائيات العربية جميعا تسعى الى نشر الوعى حول بعض اسباب الخلل في
العالم العربي ، واسباب هزميته في جميع
الحالات على الرغم من توافر مقومات النهضة لديه وقد لوحظ ان بعض هذه
الفضائيات لم تلتزم بالخطوط الحمراء المفترضة وتمسكت بحيادها بين المتحدثين حتى
تكون ايضا ساحة
الحرية الراي الذي
يفتقده المواطن العربي في بعض بلاده الاصلية
¢الخاصية
الثانية : ان هذه
الفضائيات وهي تغطي الاحداث العربية
الساخنة تدرك ان الساحة
العربية قد اصبحت مركز
استقطاب للاعلام الدولي
فلاذت بالحياد والمهنية واستعد كما يقول المسؤلون فيها
فيما يتعلق بالعراق بتحديد المصطلحات وحاولت الالتزام ولم تعمد الى التورط
في الحرب او التوجهيه السياسي الى المشاهد واذ كان هذا
الموقف قد لقى النقد من
بعض الخبراء فانه قد حافظ على هوية الفضائية محل البحث وجلب الثقة الى المشاهد
العربي واطراف الصراع
في الغرب
¢الخاصية
الثالثة : وهي التي اشار اليها تقرير التنمية الانسانية العربية
2003 ، الى ان بعض
الفضائيات العربية نجحت في ادخال
ديمقراطية الحوار بديلا عن الكبت السياسي في نظمها الوطنية كما سجل هذا التقرير
نجاحا اعلاميا
للفضائيات العربية يوازي النجاح العسكري لقوات التحالف في العرق ،وان الاعلام الرسمي
يتسم بالسلطوية والاحادية والرسمية
والقدسية والتركيز على الاخبار المحلية والمسؤلين وهذه
الخاصية تعطى قيمى اكبر
للفضائيات العربية
دور الفضائيات
العربية في دبلوماسية الحوار العربي / الغربي
¢نجحت
الفضائيات العربية في تعزيز التفاهم داخل العالم العربي وتسهل التواصل اللغوي ورفع
الوعى السياسي
والقومي من خلال اشاعة الطابع الاقليمي للاخبار كما نجحت
في بلورة هوية المنطقة العربية وثقافتها وفتحت كل المحظورات بين الشرق والغرب
للمناقشة مثلما نجحت في ربط العالم العربي بالخارج ، كذلك ساهمت هذه الفضائيات في ادراك المخاوف
من الغزو الثقافي والاجنبي ومحاولة
تقليل الاثار السلبية للعولمة الثقافية
اعداد : ناصر سعادة
تم بحمد
اللّه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق